مصر الفتنة

9/10/2011

نستطيع أن نقسم تاريخ مصر فى السنة الماضية وحدها إلى أربع مراحل تاريخية مهمة و لا يمكن السهو عنها فى تأريخ تحول مصر المفترض إلى الديمقراطية المزمعة ..

أول مرحلة هى ” مصر مبارك ” .. و هى مرحلة مميزة تمتعت مصر فيها بمظاهر الازدهار .. و فى الحقيقة لايستطيع أى مصرى ان يذكر أو يتذكر أى من هذه المزايا أو أى من مظاهر هذا الإزدهار, و لكن مبارك كان دائماً يصر هو و حكوماته على أن هذه هى الحقيقة الغائب. و طبعاً لا يصح أن نصادر على وجهة نظرهم التى كانت فوق رقابنا قبل رؤوسنا عقوداً فائتة.

لكن إن سألتنى عن رأيئ الشخصى فبالطبع سأقول لك أن مصر فى هذه المرحلة تميزت فعلاً, و لكنها تميزت غيظاً من كل مظاهر الإستهتار و اللامبالاة و الإستفزاز و الإستفساد المتعمد, و لا أعلم إن كان مصطلح الإستفساد هذا وارد أم لا و لكن أظن انه الوحيد الذى يستطيع أن يوصل فداحة القصد من المعنى. و مصر مبارك لم تقترب و لم تكن لتلمس الإزدهار شكلاً أو موضوعاً, و لكن دعنا نقول أن مصر نمت النمو الضرورى الأقل من الطبيعي الغير اختياري والغير إرادي خلال عصر مبارك.

.. المرحلة الثانية هى “مصر الثورة” .. و طبعاً هذه المرحلة وحدها تنقسم فى داخلها لفترات.

أولها من وجهة نظرى ليست أحداث 6″ أبريل” بالمحلة, و إنما “حادثة خالد سعيد ” و مظاهرات الكورنيش بالتيشيرتات السوداء. كانت هذه الفعاليات من وجهة نظرى أول تحرك شعبى جماعى غير موجه أو مسيس.

ثانى فترة هى “إنتخابات مجلس الشعب المفضوحة” و التى أثبتت كفاءة ترزى الإنتخابات المصرى و إستطاعته تحقيق المطلوب منه تحت أحلك الظروف و حتى إن كانت الإنتخابات مراقبه شعبياً من الحركات الشبابية.

و ثالث فترة هى “ثورة يناير ما قبل موقعة الجمل” و هى الفترة التى كان الشعب بعد كل خطاب لمبارك ينفصل جزء منه لينضم لجماعات اللاعنين و الساخطين على الثوار فى التحرير و الذى كان سؤالهم فى حياتهم التعسة ” هم العيال دى عايزة إيه مالراجل ؟! “

رابع فترة هى فترة “ما بعد موقعة الجمل” والتى بدل اللاعنون الناقمون على الثوار و ثورتهم نيتهم. فبدلاً من لعنة الثوار الذين يهددون الإستقرار و يريدون إهانة أبوهم مبارك, أصبحوا يلعنون الثوار الذين أودوا بمصر إلى حافة الحرب الأهلية بعد أن رأى الناس على الفضائيات الشعب مقسم لطائفتين يتبادلون الجروح و الإصابات و يقتلون بعضهم البعض بكل سرور.

و على الصعيد الأخر نجد أن بعضاً منهم قد أحس أخيراً أن شفقته علي مبارك ليست فى محلها و إن مبارك (إداله على قفاه) بصياعة بعد أن استدر دموع المواطنين بالخطب. فنزل إلي الميدان يثأر لكرامته ربما, أو يثأر ليثأر يجوز, فأصبح مؤيداً للثورة. و لربما استفزه غباء مبارك و فلوله جداً, فذهب ليرابط فى الميدان ضد خيول وجمال الحزب الوطنى الديمقراطى.

و أخر فترة و هى الخامسة فى مرحلة “مصر الثورة” هى فترة “التنحى” و التى أصبح فجأة كل الشعب بعدها بثواره و بلطجيته و أحيائه و أمواته و صحفييه و إعلامييه و سياسييه بل و فلوله من الثوار, بل و كانوا كلهم فى الميدان, بل و جرح و أصيب بعضهم و هو يشعل النار فى صورة مبارك.
و تسلمت القوات المسلحة الوصى الشرعى على السلطة فى مصر السلطة بتفويض مريب و غير شرعى بالمرة من المخلوع – المتنحى إفتراضاً –  لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ مصر, “مصر المجلس العسكرى”.

المجلس العسكرى حامى الثورة و راعيها الرسمى و الذى لاحقاً استأثر بحقوق نشر و توزيع الثورة  – طبعاً (نشرها لحد ما تنشف من الشمس محدش يرضى يبصلها), و توزيعها (اللى هو يوزعها فى أى حتة من غير ما حد ياخد باله). و قد نجح المجلس تماماً فى هذه المهمة ببراعة يحسد عليها, و بصراحة كده الواحد لازم يفتخر بإمكانيات قواته المسلحة.

فبعد أن استطاعت ف 1973 إنه يضحك على كام مليون اسرائيلى و يوهمهم إنه مش هيحارب, استطاعت فى 2011 بعد تطوير مستمر و تدريب متواصل أنه يضحك على حوالى كده 90 مليون مصرى منهم كام مليون ثوار و يوهمهم إنه حمي الثورة و هيسلم السلطه و الكلام الفارغ ده. و بكده بقت القوات المسلحة المصرية .. أم الثورة و أبوهو و اللي جايبنها.

و السؤال الأول هنا : كيف صدق الثوار أن المجلس لن يخونهم ؟؟.

أومال هيودى فين حبه الأول و عشرة عمره (نظام مبارك). ماهو يا يخون العشرة يا يخون الثورة و فى الحالتين بقى خاين.

المهم ملناش دعوة طبعاً خلينا فى موضوعنا. السؤال الثانى الذى إن لم يطرح نفسه فيجب أن أطرحه, لماذا أصلاً مبدأ تسليم الثورة؟. هو انت عمرك مثلاً عملت مشروع و سبت صاحبك يسلمه و يناقشة مع الدكتور ؟, حد عمره شاف ثوار بيسلموا الراية لناس تانية تكمل؟, و الناس التانية دى أصلاً هم الى معمول عليهم الثورة!!. و حتى لو كانوا تابوا و أنابوا فهم لا ليهم فى الطور ولا فى الطحين ولا عارفين انت عملت الثورة ليه. ولا الثوار تعبوا أوى كده من 18 يوم بس؟. أم أننا أصلاً لم يتأصل فينا سبب قيامنا بالثورة؟؟. كنا نريد ثورة فقط لمجرد الثورة و جات معانا كده .. 

لماذا قمنا بالثورة ؟ .. لنثور؟؟ ..و بعد ذلك بعد أن ثرنا علمنا أننا لا نملك خطة او هدف حقيقى غير تغيير الوجوه فرضينا أن نسلم دماء شهداءتا و ارتضينا أن نعود لنقطة البداية و الجيش ياخدنا على قد عقلنا عشان يبقى منظرنا حلو.

طبعاً كلها نظريات شخصية ستغضب البعض .. و لكن هو رأيي. و قد تعلمت من هذه الثورة رغم كل شئ أنه ليس من الخطأ أن أعترف أنى فشلت أو أنى أخطأت.. و علمتنى أيضاً أنه لا خير فى الصبر على فساد ..

تخيلوا لو كنا أمهلنا مبارك حتى نهاية فترته الرئاسية .. لم نكن لنعلم أى شئ عن فساده .. بل و كان فى هذه الفترة لينظم صفوف فلوله حتى إذا تنحى كان كل شئ مية فل و عشرة و الشعب شرب الثورة ..

المهم بإختصار أريد أن نسأل أنفسنا هل نعيش المرحلة الأخيرة من هذا المسلسل بأننا تدريجياً نبداً فى إختزال صفة المجلس فى المشير؟, ثم يبدأ كل منا بتحميل أغنية ” اخترناه” من مواقع الفلول و يستمع اليها فى وقت فراغه ليقنع نفسه أنه يختار الصواب و الإستقرار. إن كان كذلك فهنيئاً للشعب استقرار البلاد و للمجلس إستكراد العباد؟. بل و من الممكن أن يفاجأنا الشعب مرة أخرى و يكتب هو أخرحلقة من المسلسل بإنتخاب شخصيه عسكريه, فيكون كاتب النص فيها هو الجمهور ؟.

أم أن المجلس سيتخلى عن خططه أو يتعابط فى تنفيذها فتفشل .. أو يتخلى أيضاً الجمهور عن دوره بسبب الإحباط أوضعف الرؤية و قلة الإرادة فيكون نهاية المسلسل حق مكتسب لأيادى و أصابع وعيون وأرجل النظام السابق تبرطع فى بلاد السلبية. المرحلة القادمة من تاريخ التحول فى مصر ستكون شوارعنا أوراقه ودماؤنا أحباره والجمهور السلبي قراؤه..
و أرى أول السيل فى أحداث ماسبيرو و التى تثبت أن المجلس العسكرى حتى و إن كان شريفاً فهو متواطئ مع نفسه, عاهد نفسه على التباطؤ و استغلال الأحداث لتصب عند مصلحته و ضد مصالح الكل. و لنا فى هذه الأحداث حديث أخر ..

سؤال بلا جواب

هل ستكون المرحلة القادمة هى مصر الفتنة …

كنت أريد أن أطيل عليكم أكثر ولكن سأكمل فى كتابات قادمة وجهة نظر شخصية جداً فى ” من يحكمنا” و أأسف أنى خرجت عن النص أحياناً و لكن هذه المرة لم أكن أكتب .. و لكنى كنت أشرح وجهة نظر تحليلية و فكر شخصى .. فإلى مرة قادمة نختلف فيها فى وجهات نظرنا لنخرج بأراء أفضل.

حداثة العالم

الإحباط يعتصر ذهنى كلما تابعت أخبار العالم الذى يصفونه “بالحديث”. نعم, فهو العالم الذى تجد الكراهية فيه مفهوم و تعريف حديث. تجد أن الكراهية و العنصرية و التمييز و التفرقة و كل تلك المصطلحات – التى هى مرآة لمصطلح الظلم و لكن بعد أن ظل يتجمل قرابة بضع ألاف من السنين منذ نزول سيد الخلق أدم عليه السلام – أصبحت تجد لها مآذن و صوامع و معابد و قاعات تمنهج فيها الكراهية بل و أصبحت هناك مؤتمرات و حملات و تبرعات للكراهية و كيف يطورونها و يجملونها و يروجون لها فى أسواق التسامح التى تركد فيها منتجات الكراهية .

نضجت فجأة لأجد مذيع نشرة الأخبار يدرس لى من منبره كيف أن العالم الحديث المتطور فى أساليب تبريره للكراهية ينقسم لدول تكره بعضها, و الدول من الداخل تنقسم لطوائف تكره بعضها و الطوائف تنقسم لفرق تكره بعضها, بل و إن لم يروق لك هذا التقسيم فيمكنك أن تغير محطة التليفزيون لتجد مذيعاً أخر يقسم البشر لألوان و ديانات.

لن تبحث كثيراً لتجد تقسيمتك المفضلة ..
المخزى أن كل ما يحدث من حروب و مجاعات و مؤامرات و ما إلي ذلك, لا يحدث لإرادة شعبية, أو لأننا كوكب من الهمج تمثل هذه الثقافة البليدة حياتنا. المخزى هو أننا نساق من قادة العالم الذين أتقنوا على مر العصور لعبة الهمجية و رسم خرائط الفوضى. هؤلاء القادة يعملون بمبدأ “فرق تسد” و لم يعلموا أن هذا المبدأ بعد أن يجعلك تسود سيسودهم هو فى النهاية لتطالهم الفرقة التى طالما ألقوها بعشوائية فى أنحاء المعمورة.

لعنة الله علينا إن لم نقف فى وجوه جلادينا .. حلال عليهم ظهورنا و لحومنا إن لم ننطق بحقوقنا.

فيا أيها العالم البغيض المنظر القبيح الملامح المهترئ المعانى و الجوهر, يا أيها العالم المتبرج السافر المنحل الحديث المنطور,اغرب عن وجهنا و اذهب إلى جحيمك الخاص.

و يا أيها الشعوب المتعامية المنساقة المتخاذلة المفتعلة, أفيقوا و أخرجوا عن طوع قادتكم الذين يقودوكم لمراعى الحروب و أنتم رغم ذلك تصرون على أداء دور القطيع بمنتهى المهارة و تتفننون فى حبكته. كفاكم هواناً على أنفسكم و خذلاناً فى حقوقكم المهدرة. كفاكم صمم و عمى و خرس مصطنع. كفاكم أنانية و طمعاً. كفاكم تبناً أيها القطيع. كفاكم خواراً و ادعاءكم لحكمة أسيادكم أيها العبيد أسرى أنفسكم المريضة.

املأوا حياتكم بالإيجابية و اغترفوا من نهر الإيمان لتملأوا به قلوبكم الميتة بروح الحرية. املأوا عيونكم بصيرة و عقولكم علم و ألسنتكم صدق. املأوا أبناءكم أمل و يقين, ولا تنسوا أن تملأوا آنيه الفقر و العنف و الجهل الذى دأبتم على تشجيع صناعته طوال أعماركم الفانية بالتكافل و التسامح و التعلم.

تواصلوا مع من قطعتم أوصال عقائدهم و ثقافاتهم لعلكم تصيبوا من ذاكرة التاريخ أن عالمكم  قد غيرتموه لعالم حديث فى إنسانيته ..

                                                                                                                                         6-10-2011